هل الغيرة بالفعل تجعل أجواء البيت مثل أوضاع معسكر غوانتنامو سيئ الصيت ؟ أم في الأمر مبالغة؟
جاء في كثير من الدراسات والتحقيقات والتقارير الصحفيّة، أنّ كثيرا من النساء أزهقت أرواحهنّ بسبب الغيرة، فما هي الغيرة ؟.
من المؤكد أن هناك ربطاً بين الحب والغيرة وكأنها الدليل الفعلي الوحيد عليه، فمن لا يحب لا يغار وعلى الرغم من أن الغيرة الزوجية تكون أحيانا بدافع الخوف من احتمال فقدان المحبوب وبالتالي محاولة حماية الشيء الذي يخشى فقدانه، إلا أنه في معظم الأحيان تكون الغيرة ناتجة عن نقص الثقة بالنفس وفقدان الأمان الداخلي وأحيانا الشك وعدم الثقة بالطرف الآخر، وفي معظمها تمثِّل نوعاً من أشكال القلق الذي ينطوي على عدم الشعور بالأمن والخوف من فقدان العاطفة لمنافس.
وتقول بعض التعريفات إنّ الغيرة عبارة عن حالة انفعالية معقدة تتكون عناصرها في الطفولة الأولى من حب التملك والشعور بالخوف من فقدان شيء والشعور بالنقص والغضب نتيجة الإحباط، وهي تعبر عن الذات السوية وأول مظاهر التكيف النفسي والتوافق الاجتماعي، وبما أنها إحدى الغرائز الأولية التي تصاحب الإنسان في مراحل نموه المختلفة فإن عناصر تكوينها النفسي ثابتة ولكنها تتغير في كل مرحلة حسب متطلبات النمو الانفعالي من الطفولة إلى الشيخوخة.
الغيرة .. بين حب الزوجة وقتلها !!
للغيرة صفات دافعيه إيجابية، فسيكولوجية الغيرة تؤكد أنها ظاهرة صحية تدفع إلى التنافس الشريف وتخدم البقاء وتقف وراء إشباع الدوافع والحاجات الأولية الشعورية واللاشعورية، وتكتسب أهميتها كمخزون ووقود للعلاقات الإنسانية ومصدر توليد طاقة نفسية دافعة لحركة الفرد داخل الأسرة والمجتمع، ولكن عندما تزيد عن الحد المعقول تصبح ظاهرة مرضية ومصدر شقاء للإنسان وبالذات الزوجين والتي يمكن أن تتحول العلاقة بينهما من حالة حب جارف إلى شك قاتل يكون أفضل علاجه الانفصال الفوري وأخطر مضاعفاته القتل العمد مع سبق الإصرار.
وهذا النوع من الشك يسمى بالغيرة المرضية وهو ما يحيل الحياة إلى عذاب مستمر نتيجة التصورات والظنون التي تأتي غالباً ضمن تخيلات الرجال المتزوجين.
فالزوج المصاب بالغيرة المرضية يعاني من وساوس تؤرقه في زوجته وسلوكياتها، مما يضطره إلى ترك عمله وإهمال مظهره وتكون اهتماماته منحصرة فقط في البحث والتحري عن الزوجة بهدف الحصول على أي معلومات تؤكد وساوسه وتدينها حتى إنه يلجأ للتحقيق مع الزوجة بأسلوب الضغط النفسي وحتى التهديد والتعذيب.
وفي الحالات التي تم التعامل معها يكون أسوأ ما في مشكلة الغيرة الزوجية هو عدم المعرفة بأن هذه الحالة تعتبر حالة مرضية ويستوجب العلاج منها حتى يعود الشخص إلى طبيعته. وعلاج الغيرة الزوجية لا يعود بالنفع على المريض فقط، بل على أسرته أيضاً وعلى جميع من حوله وحتى عمله.
الغيرة المرضيّة
حينما تراقب الزوجة زوجها وتعتقد أنه على علاقة بأخرى، يسمى هذا النوع بالغيرة المرضية geoulsy morbid أو "اضطراب الزوراني" وهو حالة مرضية تحتاج إلى علاج دوائي في بعض الأحيان .. والغيرة المرضية لها عدة مسببات منها الحرمان من العطف والحنان كأن يهتم الآباء بأحد الأبناء لأنه الوحيد بين البنات أو الوحيدة بين الأولاد أو لجمال الشكل أو حدة الذكاء أو كثرة المرض كذلك شأن المقارنة والمفاضلة الصريحة والمستترة بين الأطفال معتقدين بأن هذا حافز للمنافسة والبذل دون مراعاة للفروق الفردية والتكوين النفسي للأطفال.
وملامح الشخصية البالغة التي تعاني من الغيرة المرضية والتي من أسبابها عدم الأمان النفسي الداخلي تختلف وتتفاوت بين الاستقرار والاعتلال اليسير والاضطراب الشديد والشك والريبة في شريك الحياة، وما يتبع ذلك من تصرفات تعتبر سمة من سمات أصحاب الشخصية المرتابة الذين لا يثقون بالآخرين حتى وإن كانوا أقرب الناس إليهم، حيث يغلب عليهم التوجس والريبة والشك في النيات وإيجاد احتمالات سيئة لكل تصرف مهما كان عفوياً وبريئاً، وكثيراً ما يتصور هؤلاء أن الآخرين يستغلونهم ويفهمون تصرفات الغير على أنها إهانات لهم وراءها مقصد سيئ. لذا فهم شديدو الحساسية للانتقاد والتوجيه ويصعب عليهم تكوين صداقات حميمة أو علاقة حب وود حتى مع أقرب الناس لهم مهما بذل الطرف الآخر من وقته وجهده لأجل التقرب إليهم وكسب ودهم ورضاهم.
الغيرة مطلوبة ضمن حدود محببة للنفس
وفي الغيرة تقول د. ليلى صالح محمد زعزوع "الأستاذ المشارك بجامعة الملك عبد العزيز بجدة" : يسود كثير من العلاقات الزوجية، رغم إنجاب الأطفال، المرور بعثرات وصعوبات حياتية مختلفة لكن الغيرة بين الزوجين تؤكد وتبرز روابط الأسس التي يقوم عليها الزواج السليم القائم على الحب والتفاهم والاحترام بين الطرفين وتفهم الشخص للآخر، وموضوع الغيرة نحتاجه أحيانا ضمن حدود محببة للنفس في مسار الحياة لأن الزوجين عليهما إثارة المشاعر ومد جسور التواصل مع بعضهما البعض ببعض المواقف في حياتهما خاصة، ولكن تبادل المشاعر بصراحة يطفئ من نار الغيرة التي تحرق عندما تزداد عن حدها، لذا قد يكون على الزوجين أن يجلسا معاً ويتحدثا عن أمور حياتهما اليومية، وما يواجههما من مشكلات والغيرة أهمها الآن في عصرنا، فالغيرة أمر يمس علاقتهما الحميمة، لكن لا بد أن يعطي كل منهما للآخر الفرصة كي يعرب عن أفكاره ومشاعره ويعرف أن الشخص الذي يحاول إثارة الغيرة به قد يكون في حقيقة الأمر لا يستحق ذلك لأن الحب والثقة تكفي بعيدا كما يقول علماء النفس والحب عن الحب المسيطر عليه الغيرة المريضة، والحب الأناني والمتملك، لأنه سينهار مع أول انتكاسة، والجميع يبحث عن الحب الصادق الذي يحب فيه الزوج زوجته لذاتها، وتحب الزوجة فيه الزوج لذاته والعكس صحيح، حتى يشعر الزوجان كل منهما بالراحة والسعادة والأمان وأن يثق بها وأن تثق به وأن يكونا واسعي الأفق والتفكير، بحيث يبعدان الظن ببعضهما، فالغيرة مع الثقة في الزوج أو الزوجة يمكن أن تقوم على المحبة لا الشك المدمر، بل على أساس متين من التقدير والاحترام بين الزوجين، فالاحترام هو أساس العلاقة واستمرارها».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق